حفر الباطن مجدداً، جملة من الذكريات والمشاعر السياسية المتعاكسة يمكن رصدها على وجوه السياسيين الأردنيين قبل نحو 24 ساعة من إنطلاق مناورات «رعد الشمال» العسكرية التي تستضيفها السعودية بقدرات تدريبية متفوقة هذه المرة وتحديداً بعد الإعلان السعودي ثم الإماراتي والبحريني عن الاستعداد لدخول قوات عسكرية برية إلى سوريا لمحاربة تنظيم «الدولة».
الأردن الرسمي لا يريد الإشارة للقوات العسكرية المتواجدة في السعودية ضمن هذه المناورات إلا في سياق انها ضمن واجبات «تدريبية» وهو أمر يحسم على الأقل أردنياً الموقف من قصة تزايد احتمالات الدخول للمستنقع السوري عسكرياً من قبل قوات عربية. قياساً لعدد الدول العربية الحليفة للسعودية التي تشارك في مناورة «رعد الشمال» يمكن القول برسالة سياسية واضحة الملامح من الجانب السعودي وموقتة زمنياً في إطارين الأول عشية دخول محتمل ومتوقع لقوات المعارضة اليمينية للعاصمة صنعاء بدعم وإسناد من محور عاصفة الحزم، والثاني عشية خلط الأوراق المتعلق بالأرض السورية.
وفقا لكل المصادر الأردنية الرسمية التي تواصلت معها «القدس العربي» لا يوجد قرار لا سعودي ولا أردني نهائي بالدخول بريا إلى سوريا لكن يوجد سيناريوهات للبحث في الموضوع والتدرب المشترك على مناورات تحت عنوان «مواجهة خطر مشترك» بانتظار غطاء دولي.
هدف السعودية توجيه رسالة قوة ثلاثية الأبعاد، انها قاربت على الحسم والانتهاء من اليمن، وثانيا انها جاهزة للتدخل في سوريا عسكريا وبصورة مباشرة وتحت يافطة محاربة الإرهاب «الداعشي السني» هذه المرة.
وثالثا تقول السعودية ان مناورات «رعد الشمال» ذات المغزى من حيث الإسم والتمهيد السياسي هي الخطوة الأولى في طريق تأسيس جيش عربي إسلامي سني عملاق قوامه 150 الفاً على الأقل وهو الجيش الذي سبق للرياض ان تحدثت عنه وسط تشكيك من كل الأطراف.
المعلومات تشير إلى ان دولتين عربيتين على الأقل هما الأردن ومصر لا زالتا تحتفظان بمستوى التحفظ نفسه على التورط البري المباشر في الميدان السوري.
عمان تقول بوضوح وبكل اللغات بأنها تفضل خيار «تسليح» العشائر السنية في سوريا والعراق للتصدي لتنظيم «الدولة» وتركيا لا خيار لها إلا الموافقة على السيناريو السعودي والتعاون معه ما دامت الولايات المتحدة تلعب بورقة الأكراد. مصر الرئيس عبد الفتاح السيسي موجودة ايضا في مناورات «رعد الشمال» لكن بصورة رمزية وغير قتالية ومهام التدريب هذه المرة مبرمجة وفقاً للعقيدة العسكرية الباكستانية ولا علاقة لها بفنون وبرامج التدريب الحي أمريكية التأسيس، هنا تقول السعودية ايضا للأمريكيين ان برنامجها بتأسيس جيش إسلامي سني بدأ فعلاً وبدونهم.
في التفاصيل ثمة تسريبات عن جنرالات من الباكستان رسموا بالتعاون مع وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان ملامح تدريب مناورات «رعد الشمال» والعمل التدريبيي الحي يتناول ما يسمى بأعراف العسكر التنسيق العملياتي الأرضي لمواجهة «خصم مشترك» عن طريق تطهير الأرض بالقطعة ثم تثبيتها بقوات رديفة والإنتقال لمساحة أخرى عبر مجموعات القوات الخاصة الهجومية المسلحة بأحدث تكنلوجيا اللاسلكي والإتصال والذخيرة. ثمة جزء من الواجب التدريبي له علاقة بإنزالات خلف خطوط العدو وهنا حصرياً ثمة خبرات هجومية عند الجانب المصري وخبرات لتأمين الخطوط الخلفية الدفاعية عند الجانب الأردني مع قوى إسناد وتموين متمرسة لوجستياً بالممرات الوعرة والنهرية والبحرية.
مضمون تكتيك مناورات «رعد الشمال» يحاكي الواجبات الهجومية المباشرة في إدارة حرب العصابات، والسرية كانت اساساً في ترسيم تقنية وجوهر المناورات العسكرية التي يرى بعض الساسة في عمان والقاهرة انها دعائية وسياسية وردعية أكثر من كونها هجومية واشتباكية فعلاً.
وسط غابة التشكيك يبدو ان السعودية جادة في مسألة أصبحت محسومة بكل الأحوال بعيدا عن صدقية برنامج دخول سوريا بقوات برية وهي نواة الجيش السني الإسلامي الموحد وهنا حصرياً الرسالة الأكبر للجار الإيراني.