النار الإيرانية تلتهم أجزاء ليست قليلة من المنطقة العربية، كما هو الحال في سورية والعراق واليمن. ويوماً بعد آخر، يزداد سعيرها، وتتسع رقعة الحريق، وترتفع أعداد الضحايا. وفي وقتٍ يعود إلى عدة سنوات، لم تكن السلطات الرسمية الإيرانية صريحةً مثلما هي عليه في الإعلان عن تدخلاتها الواسعة في الشؤون الداخلية لبعض البلدان العربية.
كان حضور إيران، قبل خمس سنوات، يعبّر عن نفسه على نحوٍ لا يستفز مشاعر أبناء هذه البلدان، وحتى خلال الحرب العراقية الإيرانية التي دامت ثمانية أعوام، بقيت السياسات الإيرانية بعيدة عن النزعة الطائفية التي صارت تغلب عليها اليوم، بل سلكت طهران مسالك تقربها من المنطقة، عندما ربطت علاقتها بحزب الله وسورية بقضية مقاومة إسرائيل، ولا أحد ينكر دورها الكبير في هذا المضمار، خصوصا في ردع الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان.
صورة إيران المقاومة سقطت في امتحان الثورة السورية، واختفى إشراقها وبريقها، عندما بدأت تفتح جبهات طائفية في سورية والعراق واليمن، وتجلى هذا الاختلال في دفع حزب الله للقتال إلى جانب النظام في سورية ضد الثورة، بدعاوى وشعارات طائفية، الأمر الذي جرّ المنطقة بأسرها إلى اضطرابٍ يتعذّر التكهن بنتائجه. وليس مبالغة القول إن الممارسات غير المسؤولة التي قامت بها إيران في سورية والعراق، منذ بداية عام 2012، تتحمل القسط الأكبر من المسؤولية في جر المنطقة نحو التطرف المذهبي الذي أنتج قوى متوحشة، مثل داعش، تتغذّى، قبل كل شيء، على الحقد الطائفي، وتتخذ من تدخلات إيران السافرة في العراق وسورية مبرراً لجر المحبطين من السنّة خلفها.
الأمر اللافت أن هناك إجماعاً في إيران على السير في اتجاه جر المنطقة إلى حرب مذهبية. قد تكون هناك معارضة لهذا الخط التدميري، ولكن من يتصدر المشهد اليوم هم المتطرفون الذين لا يحسبون حساباً للنتائج الكارثية بعيدة المدى التي ستترتب على حال الانقسام، ليس فقط على الصعيد المذهبي العام، بل على مستويين آخرين لا يقلان خطورة. الأول الحرب الأهلية داخل كل بلد، كما هو حاصل في العراق اليوم. والثاني دخول إيران في نزاعات مفتوحة مع بعض البلدان العربية، على غرار الأزمة الحاصلة بينها وبين السعودية، بعد إعدام الرياض الداعية السعودي نمر النمر.
لا تستطيع إيران أن تنكر صلتها اليوم بما يجري من انتهاكاتٍ، تقوم بها مليشيات عراقية محسوبة عليها في منطقة المقدادية في محافظة ديالى في العراق، وقد نقلت جهات إعلامية وسياسية محلية ودولية أنه، خلال أسبوع واحد، حدثت عمليات تصفية لعشرات الأسر، وحرق ممتلكات ودور عبادة، من أجل دفع السكان إلى الهجرة خارجها، وثمّة من يشير إلى دور إيراني مباشر، بهدف إخلاء هذه المناطق القريبة من الحدود مع إيران. ولا تشكل المقدادية سابقةً في سلوك المليشيات المحسوبة على إيران، ذلك أنها درجت على هذه الممارسات التي بدأت بتهجير المكون المسيحي من بغداد منذ عدة سنوات.
ما يجري في بعض مناطق سورية منذ ربيع 2013 له الغرض نفسه، حيث بدأت عمليات تطهير مذهبي في مناطق القصير، وهي تتم الآن في ضواحي دمشق، مثل الزبداني ومضايا، بإشراف إيراني رسمي ومعلن.
والخطير في الأمر أن رد الفعل الدولي حيال ما يجري لا يرقى إلى خطورة الأحداث، وما سيترتب عليها من تداعياتٍ سلبية على السلم الأهلي في المنطقة، فالدول الكبرى والمنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، تتفرّج على هذه المنطقة، وهي تسقط نحو هاوية الحروب المذهبية التي أشعلتها إيران التي سيصل إليها الحريق، عاجلاً أم آجلا.