أوباما: العالق بين معسكرين

على الرغم من تحذيرات وكالات الاستخبارات الأميركية «سي آي إيه» من أن التعزيزات العسكرية الروسية كانت تهدف إلى إبقاء الرئيس الأسد في السلطة، فإن البيت الأبيض قرر استكشاف التعاون مع روسيا على أرض الواقع. وطوال فترة الصيف حتى قدوم الخريف، كان كبار المسؤولين الروس – من بينهم بوتين نفسه، خلال اجتماعه مع أوباما على هامش انعقاد الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، الشهر الماضي – يقولون إنهم غير ملتزمين بإبقاء الأسد في السلطة لفترة طويلة، وإنما يستهدفون فقط مقاتلي «داعش» في الهجوم العسكري، وفقا لمسؤولين أميركيين.

ولم يعد هؤلاء المسؤولون يعتقدون أن روسيا كانت تقول الحقيقة. فقد أفادت وكالة «رويترز» العالمية للأنباء مؤخرا بأن بوتين كان يخطط للتدخل في سوريا مع المسؤولين الإيرانيين منذ أشهر، بجانب تضليل الغرب. وفي الوقت ذاته، استبعد أوباما إمكانية الانخراط في حرب بالوكالة مع الجيش الروسي، مما يترك القليل من الخيارات الجيدة.

وقال فيليب غوردن، المنسق الأعلى السابق لشؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي، في الوقت الذي كانت روسيا تحشد فيه قواتها في سوريا: «لا بد من إعادة النظر في السياسة الحالية للولايات المتحدة وشركائها».

ويجد كيري وباور نفسيهما الآن من دون أي أمل في أن يجلب بوتين النظام السوري إلى طاولة المفاوضات. وكان كيري – رغم شكوكه الدائمة حول روسيا – المسؤول عن إشراك الحكومة الروسية عبر العديد من المحادثات مع وزير الخارجية سيرغي لافروف. لكن من الواضح الآن أن الروس كانوا يخدعون إدارة أوباما.

وذكر نائب رئيس لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ، جاك ريد، مؤخرا: «في سوريا، خبأت روسيا – على غرار ما فعلت في أوكرانيا – نواياها، باستخدام حيلة الانضمام للقتال ضد (داعش)، بغية توفير غطاء للتدخل العسكري الروسي لدعم نظام الأسد». وتابع: «ومع ذلك، تكشف التصرفات الروسية على نحو متزايد الأهداف الحقيقية وراء التدخل».

وكان خيار نزع فتيل الصراع وتأجيل إسقاط الأسد – وهو النهج المدفوع بواسطة روب مالي، وفيليب غوردن – «دائما مطروحا على الطاولة. وأصبح حلا عمليا الآن»، بحسب فريدريك هوف، المسؤول السابق المختص بشؤون سوريا في وزارة الخارجية الأميركية. وتكمن المشكلة – وفقا لهوف – في أن هذا النهج لن ينجح، نظرا لأنه «لا النظام السوري، ولا طهران، ولا موسكو أبدت اهتماما بذلك».

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، إيميلي هورن، إنه لم يطرأ أي تغيير في موقف الإدارة بضرورة رحيل الأسد، مع الإشارة إلى أن كبار المسؤولين – ومن بينهم كيري – صرحوا علنا بأن الجدول الزمني قابل للتفاوض. ودائما ما تتطلع الولايات المتحدة لطرق للحد من العنف هناك. وأضافت: «هذا ليس بديلا بأي حال من الأحوال أو تغييرا في سياستنا التي طال أمدها بالضغط من أجل الانتقال السياسي في سوريا».

وفي حين أن برامج الولايات المتحدة لمساعدة المعارضة المعتدلة لا تزال جارية، فإن كبار مسؤولي الإدارة الذين كانوا يدفعون لمزيد من الدعم لهذه البرامج، أو لإقامة مناطق آمنة في سوريا، أصبحوا محبطين إلى حد كبير من تردد البيت الأبيض. وتضم هذه المجموعة وزير الخارجية جون كيري، والجنرال جون ألن المبعوث الرئاسي الخاص إلى الائتلاف العالمي لمكافحة تنظيم داعش.

وذكر مسؤولون في الاستخبارات الأميركية أن البيت الأبيض يصاب بالإرباك منذ اليوم الأول لتدخل بوتين في سوريا. ويشكك المجتمع الاستخباراتي في أن الهدف من التدخل هو شن حملة عسكرية ضد «داعش». وعلى الرغم من ذلك، أفادت صحيفة «نيويورك تايمز» بأن الولايات المتحدة تشعر بالدهشة من سرعة بناء، ومن ثم الإعلان عن الائتلاف الروسي الجديد مع حكومات سوريا وإيران والعراق لدعم حملتها العسكرية.

وأضاف مسؤولو الاستخبارات أنه على الرغم من عدم ثقة الأميركيين بالنوايا الروسية، فإنهم لم يتوقعوا أن تكون الجماعات التي تدعمها الاستخبارات المركزية الأميركية على وجه التحديد – مثل تجمع النصرة – ضمن أول أهداف هذه الحملة العسكرية، أو أن اختراق الطائرات الحربية الروسية المجال الجوي التركي وتشوش على الطائرات التركية. وقد حدث هذان الشيئان بالفعل، والآن تحقق لجان الإشراف التابعة للكونغرس في الإخفاقات الاستخباراتية المحتملة قبل التصعيد الروسي.

ومع ذلك، خلال الأيام الأولى من التدخل الروسي، قلل كبار مسؤولي البيت الأبيض علنا من الإجراءات الروسية. وقال نائب مستشارة الأمن القومي الأميركي للاتصالات الاستراتيجية، بن رودس، في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي: «لديهم قاعدة في سوريا، هذا ليس بجديد». وأضاف: «يتطلع كل شخص إلى بوتين كما لو كان هذا التدخل نوعا من المناورة الهجومية».

وفي مؤتمر صحافي انعقد في اليوم التالي، قال أوباما إنه اعتقد أن روسيا كانت ترتكب خطأ استراتيجيا عبر تعميق دعمها للأسد، مشددا على أنه لن يكثف التدخل العسكري الأميركي في سوريا، واصفا آراء منتقديه بـ«الحمقاء» و«التافهة».

وذكر السيناتور بوب كوركر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، مؤخرا، إنه من خلال عدم فعل المزيد لمواجهة تصعيد بوتين، تعترف الإدارة ضمنيا بأنها لم تعد قادرة على تأمين الإطاحة بالأسد. وتابع كوركر: «تتسبب الإجراءات المتخذة على مدى الأيام العشرة الماضية في تغيير هائل في الموقف التفاوضي للجانبين، وإظهار حقيقة أن الأسد – من وجهة النظر الروسية والإيرانية، التي لن نطعن فيها – سيظل في السلطة لفترة من الزمن».

ورأى بريان كاتوليس، الباحث في شؤون الشرق الأوسط بمركز التقدم الأميركي، أن تردد أوباما في مواجهة الروس في سوريا هو أحد أعراض التردد العام في توريط أميركا في حرب أخرى مكلفة ودموية في الشرق الأوسط. وأضاف كاتوليس: «إذا كان هذا هو المبدأ التوجيهي، فإنه يساعد في توضيح سبب اتسام ما فعلته روسيا بالإيجابية في البداية». وتابع: «تكون النتيجة النهائية عبارة عن سياسة لا تتحول إلى أي اتجاه، رغم التغيرات في البيئة».

وربما ينتهي الحال بأوباما – العالق بين معسكرين في إدارته – إلى تغيير نهج الولايات المتحدة في سوريا ككل، رغم أن معسكر نزع فتيل التوتر لديه الزخم. وفي كلتا الحالتين، وبينما تغير روسيا وإيران والنظام السوري الحقائق على أرض الواقع، فإن الوضع النسبي لأميركا والسوريين الذين تدعمهم يصبح أكثر خطورة يوما بعد يوم.<br>* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»