اعتبر معلقون ان قرار الرياض قطع جميع علاقاتها مع طهران، وإن كان سببه المباشر مهاجمة البعثات الدبلوماسية السعودية في ايران، الا انه يمثل “ضربة معلم” من طرف المملكة التي أدركت ان الجمهورية الاسلامية ليست لديها اي نية للاتفاق على تسوية أزمات كبرى في الشرق الأوسط وعلى رأسها سوريا واليمن وايضا لبنان.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز مساء الاربعاء عن مراقبين قولهم ان اعدام عشرات المتشددين المدانين بالإرهاب، وغالبيتهم من السنة بالاضافة الى رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر، يحظى بتأييد شعبي ان لم يكن ضغطا من قبل السعوديين منذ اعوام نحو تنفيذ هذه الاحكام.
ونفذت الرياض حكم الإعدام السبت في 47 شخصا من بينهم أربعة شيعة أحدهم النمر وهو ما أشعل التوتر مع إيران. لكن محللين يرون أن أحكام الإعدام هي في الأساس رسالة إلى المتشددين السنة.
وتتنافس ايران مع السعودية بصفة رئيسية في النزاعين السوري واليمني، والأزمة السياسية التي تعصف بلبنان منذ نحو سنتين.
وقال المحامي عبدالعزيز القاسم الذي دأب في السابق على توجيه انتقادات للسلطات السعودية ان “الناس كانت تنتظر هذه الاعدامات ووافقت عليها الغالبية السنية والشيعة ايضا”.
واضاف القاسم ان “النمر كان يُنظر اليه على انه ناطق باسم النظام الايراني، على غرار حسن نصرالله” الأمين العام لحزب الله الذي أنشاته ايران في اوائل الثمانينات من القرن الماضي، مشيرا الى أن النمر “كان يحاول الاستيلاء على السلطة” في السعودية.
ووصف القاسم تنفيذ الإعدامات بـ”قرار شجاع اتخذه الملك سلمان ودخل في مواجهة مع كل من يقول ان اعدام النمر يمثل قضية حساسة”، مضيفا ان العاهل السعودي “قضى على المشروع الايراني في المملكة”.
من جانبه، قال الكاتب السعودي علي الخشيبان ان “عامة السعوديين لم يتعاملوا بايجابية مع الاعدامات فقط، بل انهم دفعوا باتجاه تنفيذها”.
واضاف الخشيبان الذي يكتب في صحيفة الرياض المحلية ان “من الاهمية بمكان ان يفهم العالم ان المجتمع السعودي ظل يطالب الحكومة منذ 2010 بإعدام هؤلاء المتورطين في جرائم إرهابية”.
وتابع الخشيبان قائلا ان “نمر النمر لا يختلف إطلاقا عن الآخرين (من الذين نفذ فيهم حكم الاعدام). قام بتشكيل خلايا مسلحة وشارك في قتل مدنيين والتحريض على العصيان في المنطقة الشرقية”.
أما برنارد هيكل، الباحث في مركز دراسات الشرق الأوسط في برينستون فقال “اذا لم تفقد الرياض السيطرة على تحركها ضد طهران، فإن الخطوة السعودية تمثل ضربة معلم إقليمية” ضد ايران.
في الحرب السورية، تقدم ايران دعما عسكريا مباشرا لنظام الرئيس السوري بشار الأسد سواء عبر جنودها وضباطها “المستشارين” أو من خلال حزب الله اللبناني.
ولكن مع التدخل العسكري الروسي في سوريا منذ سبتمبر/ايلول الماضي، تراجع دور ايران سياسيا في التأثير على مقترحات الحل لهذا النزاع الذي اودي بحياة نحو ربع مليون شخص وشرد 10 ملايين داخل البلاد وخارجها.
أما الحرب في اليمن فقد اندلعت بعد أشهر من استيلاء المتمردين الحوثيين المتحالفين مع ايران على العاصمة صنعاء ومناطق واسعة من اليمن قبل ان تحقق القوات الحكومية مدعومة بطيران التحالف العربي الذي تقوده السعودية، انتصارات متتالية خلال الاشهر الأخيرة.
وفي لبنان وبعد اتفاق ضمني بين الرياض وطهران على ترشيح الزعيم المسيحي سليمان فرنجية لسد الفراغ الرئاسي المتواصل منذ 18 شهرا، قالت السعودية -التي اعتبرت موافقتها تنازلا- ان ايران سحبت تأييدها لفرنجية الصديق المقرب للرئيس الأسد.
وأعلنت السعودية هذا الاسبوع قطع العلاقات الدبلوماسية مع ايران ثم وقف المبادلات التجارية وحركة الطيران على خلفية الهجوم على سفارتها في طهران وقنصليتها في مدينة مشهد الايرانية.
وجاء القرار السعودي بقطع كافة العلاقات مع ايران بعد ان انتفى اي احتمال لتعاون طهران مع الرياض في الملفات الاقليمية الكبرى.
ولخص وزير الخارجية السعودية عادل الجبير موقف بلاده من ايران، قائلا ان “تاريخ ايران مليء بالتدخلات السلبية والعدوانية في الشؤون العربية ودائما ما يصاحبه الخراب والدمار”.
واضاف لدى اعلانه عن قطع العلاقات مع طهران ان “هذه الاعتداءات تعتبر استمرارا لسياسة النظام الايراني العدوانية في المنطقة التي تهدف الى زعزعة امنها واستقرارها، واشاعة الفتن والحروب بها”.