عجزت جامعة الدول العربية منذ نشأتها وحتى الآن عن إنشاء كيان قادر على مواجهة الأزمات التى اجتاحت العديد من الدول العربية، وكذلك الأزمات التي واجهت العلاقات العربية البينية، ويرجع ذلك لأسباب عدة منها ما يتعلق بسياق عملها المؤسسي وفقاً لميثاقها الذي يحتاج إلى تعديل الكثير من بنوده ومنها ما يتعلق بطبيعة المصالح الإقليمية والدولية للدول الأعضاء، وهي أسباب أسهمت إلى حد كبير في طغيان البعد القطري على البعد القومي الجماعي، ما أدى إلى تعثر العمل العربي المشترك وغياب وجود رؤية عربية «موحدة» قادرة على مواجهة الأزمات والتصدي لها.
لا ينفي ذلك وجود قدر من الإصلاحات التي شهدتها الجامعة بناء على دعوات التطوير التي أطلقتها بعض الدول الأعضاء على مدار مسيرتها السياسية. في هذا السياق حدث تحول طفيف في طبيعة أداء الجامعة ومعالجتها للمشكلات والأزمات التي تواجه الدول العربية وبالتحديد في عام 2011، عندما شهدت كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا انتفاضات شعبية جارفة طالبت بالتغيير والديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية.
وقد تفاوتت تعاطيات الجامعة مع التطورات الداخلية في تلك الدول التي شهدت مطالبات بالتغيير، فلم تكن تلك التعاطيات على وتيرة واحدة، فلم تتبن الجامعة في الثورتين المصرية والتونسية أية مواقف باستثناء تصريحات وليست بيانات رسمية، تعتبر أن ما يحدث في تلك الدول شأناً داخلياً، بينما حدث تغير نسبي في موقفها من الأزمة الليبية بدءاً من بيانات التأييد لمطالب الشعب مروراً بطلب الجامعة من مجلس الأمن فرض منطقة حظر جوي وانتهى موقفها عند حد تأييد التدخل العسكري لإسقاط النظام، ولم تتابع الجامعة تطورات الأحداث بعد ذلك وتداعياتها بل نقلت الجامعة الأزمة إلى الرعاية الأممية (مجلس الأمن) والأوروبية (حلف الناتو).
الأمر نفسه بالنسبة للثورة السورية التي شهدت تدخلاً كاملاً من جانب الجامعة في إدارة الأزمة بعد أربعة شهور من اندلاعها وحتى انتهاء مهمة عمل المراقبين العرب في يناير/كانون الثاني 2012، وهو التاريخ الذي انتقلت بعده الأزمة إلى الأمم المتحدة واستمر اهتمام الجامعة بتطوراتها بعض الوقت، حيث طالبت بأن يكون المبعوث الذي سيتولى الملف السوري مبعوثاً «أممياً – عربياً» وانتهى عملياً دور الجامعة في الأزمة السورية عند هذه النقطة.
أما الموقف بالنسبة للثورة اليمنية وما تلاها من تداعيات – الصراع بين السلطة الشرعية وبين جماعة الحوثي- فكان مختلفاً إلى حد كبير، ويرتبط اختلاف موقف الجامعة هنا باختلاف المجال الحيوي للأزمة وبالتحديد اختلاف بيئتها الإقليمية، حيث تركت الجامعة الأزمة اليمنية برمتها لمجلس التعاون الخليجي، على اعتبار أن تطوراتها تمس مباشرة أمن دوله، وعلى اعتبار الدور السعودي والإماراتي الآخذ في الصعود إقليمياً.
وهو الدور الذي اعتبر أن ما يحدث من أزمات داخلية في أي دولة خليجية (حالة البحرين)، أو أي دولة تقع في الجوار الإقليمي المباشر لدول الخليج (حالة اليمن)، شأناً خليجياً خالصاً، لا يسمح فيه بالتدخل حتى ولو كان تدخلاً عربياً عبر الجامعة. ما يعني أن الجامعة العربية هنا فقدت دورها في الأزمة اليمنية وتنازلت عنه طواعية لمجلس التعاون الخليجي الذي بات يلعب دوراً ملحوظاً في التغيرات السياسية في المنطقة مؤخراً، ليس هذا فقط بل اتجه المجلس، لاسيما الدول الرئيسية فيه إلى طرح فكرة أن يكون المجلس بديلاً مؤسسياً إقليمياً قادراً على أن يحل محل الجامعة، ومن ثم بإمكانه التحكم في القرار السياسي العربي عبر تطبيقه سياسة احتواء الدور الإقليمي للجامعة في الأزمات والقضايا الراهنة والمستقبلية.
وعليه فقد اختزلت الجامعة العربية دورها في الأزمة اليمنية – مرحلة الثورة – في عدة بيانات وتصريحات بدأت في مارس/آذار 2011، بإصدار مجلس الجامعة البيان رقم 140، والذي أعرب فيه المجلس عن قلقه إزاء مستجدات الأوضاع في اليمن، كما أدان فيه استخدام العنف بحق المتظاهرين السلميين، وطالب كذلك باحترام الحق في حرية التعبير. ثم تلا ذلك إعلان الجامعة تأييدها للمبادرة الخليجية الصادرة في إبريل/نيسان 2011، والتي بمقتضاها حصل الرئيس السابق عبد الله صالح، على خروج آمن، وتم بمقتضى تلك المبادرة وضع أسس عملية الانتقال الديمقراطي محل التنفيذ.
وعندما تطورت الأزمة اليمنية إلى صراع مسلح بين السلطة الشرعية، وميليشيات الحوثي المتحالفة مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح، على إثر استيلاء تلك الميليشيات على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، ثم بدء التحالف العربي ضرباته الجوية وتدخله العسكري الداعم للسلطة الشرعية ولقوى المقاومة الشعبية في مارس 2015، كان رد فعل جامعة الدول العربية منحصراً في التعاطيات التالية:
} مناقشة مجلس الجامعة لمشروع قرار حول اليمن في دورة انعقاده رقم 143 بتاريخ 9 مارس/آذار 2015، أسفرت الجلسة عن مجموعة «تأكيدات» بشأن: دعم الحوار الوطني بين المكونات السياسية اليمنية برعاية المبعوث الأممي السابق المعني بالملف اليمني جمال بن عمر، ودعم وحدة اليمن.
} في 5 مايو/أيار 2015، رحبت الجامعة بدعوة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، لكافة القوى السياسية اليمنية بإجراء حوار في العاصمة السعودية الرياض، ورحبت كذلك بمساعي ومجهودات مجلس التعاون الخليجي باعتباره الحاضنة الرئيسية المعنية بحل الأزمة.
} دعمت الجامعة إعلان الرياض الصادر عن مؤتمر «من أجل إنقاذ اليمن وبناء الدولة الاتحادية» الذي عقد خلال الفترة من 17 – 19 مايو 2015 تحت رعاية مجلس التعاون الخليجي، واعتبار ما صدر عن هذا الإعلان من توصيات بمثابة قرارات قابلة للتنفيذ.
} تأكيد الجامعة على دعمها الكامل للتحالف العربي وعاصفة الحزم باعتبارها خطوة ضرورية فرضتها تطورات الأحداث، وانسداد أفق الحوار السياسي، واستخدام القوة المسلحة من جانب جماعة سياسية ضد مؤسسات الدولة، ما يمثل خرقاً للشرعية وتجاوزاً لمخرجات الحوار الوطني.
} إصدار الجامعة في قمتها بشرم الشيخ في مارس 2015، بياناً أكدت فيه التأييد التام للإجراءات العسكرية التي يقوم بها التحالف العربي في اليمن، بناء على طلب الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي.
} دعم الجامعة لمجهودات المبعوث الأممي الجديد لليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، ولمهمته المستقبلية في اليمن، في إطار القرارات العربية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني، والمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، والقرارات الدولية المعنية بالأزمة وآخرها القرار رقم 2216 لعام 2015.
} في يونيو/حزيران 2015، عقدت الجامعة اجتماعاً على مستوى المندوبين الدائمين للدول بحضور أمينها العام نبيل العربي، ونائب الرئيس اليمني خالد بحاح، بشأن دعم ومساندة الشرعية الدستورية الممثلة في الرئيس عبد ربه منصور، وتأييد جميع الإجراءات العسكرية التي يتخذها التحالف العربي في اليمن، ومطالبة الحوثيين وقوات صالح بالانسحاب الكامل من العاصمة صنعاء، وكافة المدن والمؤسسات الحكومية.
} وفي 10 يوليو/تموز 2015، دعا الأمين العام للجامعة نبيل العربي، كافة أطراف الأزمة اليمنية إلى احترام الهدنة الإنسانية التي أقرتها الأمم المتحدة اعتباراً من التاريخ المذكور، لتسهيل دخول المساعدات الإنسانية بما يخفف من وطأة المعاناة الإنسانية التي يعيشها اليمنيون.
} وفي 12 أكتوبر/تشرين الأول 2015، بحث الأمين العام للجامعة مع وزير حقوق الإنسان اليمني كافة المستجدات على الساحة اليمنية، لاسيما الجوانب الإنسانية الصعبة التي يعيشها اليمنيون، كما يسعى العربي إلى عقد اجتماع طارئ خلال الأسابيع المقبلة، لاتخاذ موقف عربي سياسي موحد لتوضيح المخاطر الناجمة عن مساعي الحوثيين لتفكيك النسيج الاجتماعي للشعب اليمني على أسس مذهبية ومناطقية.