تطالعنا الدراسات الحديثة والمختصة بأشعة المخ المغناطيسية بنتائج مقلقة عن تأثير مرض السكري على حجم الدماغ وعمله ووظائفه. وسوف نستعرض بعض هذه الدراسات وبعض صور الأشعة المغناطيسية والمقطعية الخاصة بمرضى السكري وخاصة أولئك الذين يعانون من ارتفاعات متكررة. وليس الغرض من هذه المقالة إشاعة الخوف بين مرضى السكري وإنما حثهم على الالتزام بالتحكم بمستوى السكر في الدم والانتظام على العلاج والحمية الغذائية.
ومن هذه الدراسات تلك الدراسة التي نشرت في مجلة السكري التابعة للجمعية الأمريكية لمرض السكري والتي ضمت أكثر من ألف ومئتي مشارك من ثمانية دول أوروبية تراوحت أعمارهم بين الستين والسبعين والتي أوضحت أن نسبة التلف في قشرة المخ أكثر لدى مرضى السكري من غيرهم من المشاركين غير المصابين بمرض السكري. وقد تم استبعاد الجلطات كمسبب لتلف قشرة المخ وضموره والتي أوضحت نفس الدراسة أن نسبة حدوثها أكثر لدى مرضى السكري بسبب أمراض القلب والضغط التي تصيب مرضى السكري. والمعنى أن مريض السكري المصاب بارتفاع ضغط الدم أكثر عرضة من مريض السكري غير المصاب بارتفاع الضغط للإصابة بتلف المخ وضموره وتأثره.
وفي دراسة مشابهة في مرضى السكري النوع الثاني أشارت إلى التبكير في استخدام الإنسولين وعلاج ارتفاع السكر قد يساهم في حد تأثر المخ من جراء ارتفاع السكر وهذه من الدراسات المشجعة للتحكم التام بسكر الدم للحد من هذا النوع من مضاعفات السكري. ومن أحدث الدراسات في هذا المجال هي تلك الدراسة التي نشرت هذه السنة في مجلة السكري الأمريكية والتي شملت أطفالا مصابين بمرض السكري النوع الأول المعتمد على الإنسولين. وقد تجاوز عدد هؤلاء الأطفال المئة والأربعين طفلا وترواحت أعمارهم بين الرابعة والعاشرة فقط. وجدت هذه الدراسة أن حجم الجزء الأبيض وكذلك الجزء الرمادي من الدماغ أقل في اطفال السكري مقارنة بالأطفال غير المصابين بمرض السكري. وقد أثبتت الأشعة المغناطيسية هذا الأمر بوضوح. وإن تبين لنا أن هذا التأثير يزداد مع مرور الأيام وبزيادة فترة الإصابة بالمرض، فمن هنا يتضح لنا أنه تأثير زيادة السكر على تطور المخ أبلغ لدى الأطفال من ناحيتين، أولهما أن الطفل يصاب بمرض السكري قبل إصابة الكبير والبالغ وبالتالي فترة تأثير ارتفاع السكر تكون أطول ومن ناحية أخرى زيادة السكر تكون في فترة مبكرة وهي فترة تطور المخ. ويجدر الإشارة أن تطور المخ وخاصة الجزء الأبيض منه قد تمتد إلى منتصف العمر اما الجزء الرمادي منه فقد تمتد فترة تطوره إلى سن العشرين من العمر. وهذا يعني أن فترة تطور المخ مهمة في مرحلة الطفولة والشباب وبالتالي التقيد التام بمستوى السكر في الدم مهم في هذه الفترة العمرية الحرجة. وهذا المفهوم يناقض ما كان البعض يعتقده وهو أن التحكم التام بمستوى السكر في الدم غير ضرورية، إذ يجب التحكم في هذا العمر وأيضا في مرحلة الشباب والمراهقة. ومن الدراسات الحديثة أيضا هي تلك الدراسة التي نشرت في مجلة الأشعة وهي من المجلات الأميريكية المشهورة والمهمة. هذه الدراسة كانت من ولاية بنسلفانيا وبقيادة الدكتور لونر.
هذه الدراسات ربطت بين مستوى السكر في الدم ومعدل السكر التراكمي وحجم الجزء الأبيض والجزء الرمادي من المخ وأوضحت أن ارتفاع السكر على المدى البعيد يؤثر في حجم المخ وكذلك فترة الإصابة بالمرض. ضمت هذه الدراسة أكثر من ست مئة مريض ووجدت أن بعض هؤلاء المرضى يعانون من ضيق في الأوعية الدموية وبالتالي قلة في تدفق الدم وقد يكون ذلك هو المسبب لضمور المخ إضافة إلى تأثير ارتفاع السكر على المخ وأنسجته.
والسؤال الذي يتبادر إلى ذهن القارئ الأن هو: هل هذا التأثير التشريحي على المخ والذي يصاحبه نقص في حجم المخ وأنسجة الدماغ، هل هذا التأثير فقط على الشكل التشريحي للمخ أم يتبعه تأثير على وظائف المخ أيضا. هذا التساؤل يجيب عليه بعض الباحثين بالإيجاب وهو أن مرض السكري يؤثر على الذاكرة وقوة الإدراك ويؤثر على الحالة النفسية للمريض والتحكم بالعواطف والقدرة الحركية والقدرة الجنسية وغيرها من الوظائف المرتبطة مباشرة بالمخ.
والبعض ذهب إلى أبعد من ذلك إلى أن مرض السكري مسبب رئيس لمرض الزهايمر على سبيل المثال والتأخر الذهني في الكبر وضعف الذاكرة المصاحب لمرض الزهايمر. والبعض الآخر من الباحثين لم يجد ربطا واضحا بين هذا التغير التشريحي للمخ وصغر حجمه وبين العمل الوظيفي للمخ. وهناك ما يعرف باسم الخرف الوعائي وهو الخرف الذي يسببه ضيق الأوعية الدموية وهو ما يتصف به مرض السكري وإن كان مرض الزهايمر أيضا يتصف بعض الأحيان بهذا الوصف وهذا التشابه يجعل البعض يربط بين مرض ضعف الذاكرة أو الخرف وبين مرض السكري. وبالرغم من أن معظم الدراسات أوضحت اختلافا بسيطا ولكن ملموس في حجم أجزاء من المخ لدى مريض السكري، إلا أن دراسة واحدة أوضحت أن حجم المخ لدى مريض السكري قد يقل بنسبة 7 في المائة عن الشخص السليم. أما بخصوص مقدار الذكاء والمعروف باسم (الأي كيو) فقد يقل لدى مريض السكري النوع الأول، وقد ربط العلماء ذلك ليس بارتفاع السكر بقدر انخفاض السكر المتكرر لدى طفل السكري. ومن هذا المنطلق نؤكد على الحرص التام على عدم تعرض الطفل المصاب بالسكري النوع الأول المعتمد على الإنسولين لانخفاض السكر ومحاولة علاجه قبل الدخول في مرحلة الخطر وهي مرحلة التشنج أو الغيبوبة. إن هذا النقص في حجم المخ أو مقدرا التلف في قشرة المخ لدى مريض السكري والتي قد تصل إلى ثلاثة أضعاف الانسان الطبيعي غير المصاب قد تدفع الأطباء المختصين إلى عمل أشعة مغناطيسية للمريض على سبيل المتابعة وخاصة هؤلاء المرضى غير المنتظمين وغير المتبعين لتعليمات الطبيب المعالج