في لقاء سابق مع المرحوم الشهيد العميد احمد يحيى غالب الابارة اجراه الزميل ثابت الاحمدي ونشرته صحيفة الجمهورية في عددها (15639) وتاريخ 7اكتوبر 2012م حدد فيه مشكلات الاقتصاد اليمني بشكل دقيق وتحدث عن الحلول والمعالجات.
“ابارة برس ” تعيد نشر هذا الحوار لاهميته.
نص الحوار:
أحمد غالب الأبارة لـ( الجمهورية ):
الثورة لم تأتِ لتغيير وزير بآخر بل لأحداث تحول تاريخي
التقــاه: ثابت الأحمدي
الأحد 07 أكتوبر-تشرين الأول 2012
حدد المشكلة الاقتصادية بدقة متناهية، ووضع الحلو الملائمة لها، مؤكدا أن بإمكان اليمن أن تنهض نهضة عالية لو تم استيعاب ثرواتها وإدارتها بطريقة صحيحة، خبير الأرقام والتنمية الأستاذ أحمد يحيى غالب الأبارة عضو المجلس المحلي بمحافظة ريمة للجمهورية:
>>.. ما مدى تأثير الفساد على التنمية في اليمن خلال الفترة الماضية؟
حجم الفساد في اليمن كبير وشره مستطير ومن الصعب الإحاطة ولو ببعض تفاصيله في عجالة كهذه لكن على سبيل المثال لا الحصر، في عائدات الضرائب والجمارك يتجاوز الفساد الخمسة مليار دولار وفي النفط والغاز يصل حجم الفساد إلى خمسة مليارات دولار أيضاً وفي المؤسسة العسكرية والأمنية تصل نسبة القوة الوهمية إلى 50 % وفي البرنامج الاستثماري تصرف عشرات المليارات في مشاريع وهمية لا وجود لها على أرض الواقع حتى صار الأصل في كل أمور الوطن هو الفساد والقانون هو الاستثناء حتى القيم تم إفسادها حيث أصبح ناهب المال العام بطلاً عظيماً وشجاعاً كريماً وهو صاحب الحق في منصب الوزير أو القائد العسكري الكبير أما الشرفاء فيتهمون بالغباء والسذاجة وتارة أخرى ينعتون بالجبناء والخوافين وتبقى مناصبهم هي الأدنى حتى لو كانت مؤهلاتهم العلمية من أعلى المؤهلات لا تشفع لهم شهادات الماجستير والدكتوراه فصار المؤهل المقبول في اليمن هو مؤهل النهب والاحتيال والنصب واللصوصية ولعل اليمن احتلت في أحد المؤشرات الدولية للفساد الرقم 146 في الفساد واحتلت دولة قطر رقم 27 كما احتلت في مؤشر آخر الرقم 2 من 10 واحتلت دولة قطر الرقم 7 من 10 وهذا هو الفارق بين اليمن الجمهورية وقطر الأميرية، أما لو تحدثت عن الفساد بشكل عام فلن تتسع الصفحات لذلك.
>>.. ما ذا عن السياحة كمورد مهم من الموارد الاستراتيجية للبلد؟
يصطلح على تسمية السياحة بأنها الصناعة التي لا تضر بالبيئة وهي تدر أموالاً كبيرة في أكثر من بلد في العالم فمثلاً في تركيا بلغت عائدات السياحة في العام أكثر من 20 مليار دولار وسنغافورة تعتمد في تحقيق التنمية على السياحة أما في اليمن فقد بلغ أعلى دخل من السياحة 350 مليون دولار مع أن اليمن لا تقل شأناً عن تركيا من حيث الموروث الثقافي والحضاري فالحضارة اليمنية من أقدم الحضارات في العالم ويذهب العديد من الباحثين والمؤرخين الأوروبيين إلى أنها أول حضارة في التاريخ بعد طوفان نبي الله نوح، بالإضافة إلى ما تمتاز به اليمن من مناظر خلابة وجبال شامخة جاذبة لهواة التسلق والقرى المعلقة والصحارى الواسعة التي تجذب هواة السياحة الصحراوية والساحلية وبالتالي توفر منابع المياه العلاجية والتي أبدعت تركيا في إنشاء المشافي الجاذبة في تلك المنابع يهب إليها الزوار من كل حدب وصوب وكم أتمنى أن تستفيد اليمن من الأسلوب التركي في إقامة المنشئات على تلك المنابع وكذا من الإستراتيجية الخاصة بالترويج السياحي فالبيئة الجاذبة للسياحة في اليمن بمختلف أركانها غير متوفرة وإذا أردنا أن تسهم السياحة في تحقيق التنمية فعلينا أن نضع إستراتيجية علمية نتمكن من خلالها من توفير البيئة الجاذبة للسياحة وتوفير الاستثمارات المطلوبة لمختلف المنشئات السياحية وسوف يصل العائد من السياحة وبتقدير متواضع إلى خمسة مليار دولار في العام.
>>.. لماذا لا يلعب الرأس المال المحلي والإقليمي دوراً فاعلاً في تحقيق التنمية في اليمن؟
لا توجد بيئة جاذبة للاستثمار بل هناك بيئة طاردة لأصحاب رأس المال المحلي والعربي والدولي فأصحاب رأس المال المحلي يفروا بأموالهم لاستثمارها خارج الوطن ولا يمكن أن يأتي المستثمر الأجنبي يستثمر أمواله وهو يشاهد أصحاب البلد يفروا منه وبالتالي لا يمكن لأي مستثمر أن يشتري أرضاً لإقامة مصنع عليها فيأتي اليوم الثاني والأرض مملوءة بالمسلحين أن يقدم على استثمار أمواله في هذا البلد ولا يمكن أن ينشئ مصنعاً ويستورد مولد الكهرباء لتشغيل مصنعه أو وايت ماء لتوفير المياه للمصنع ولا يمكن لأي مستثمر أن ينشئ مصنعاً في اليمن ويستورد العمالة الماهرة من شرق أسيا فشروط جذب الاستثمار الأمنية والقضائية والإدارية والتعليمية وغيرها غير متوفرة جملة وتفصيلا فأي بلد في العالم يبحث عن رأس مال يشارك في تحقيق التنمية عليه أن يوفر الأسس التي تميزه عن غيره من الشعوب حتى يصير مركز جذب لأصحاب رأس المال.
>>.. لطالما تحدث النظام السابق/ الحالي بأنه وفر المناخات الآمنة للمستثمرين ولرؤوس المال من كل مكان، ولطالما دعا الجميع للاستثمار في اليمن؟
يا أخي من يتحدث عن وجود دولة أو نظام أثناء حكم علي صالح فهو يعيش حالة وهم فأركان الدولة لا وجود لها بل كان هناك عصابة تتحكم في كل مقدرات البلد عصابة تنهب الثروة النقدية وتنهب الثروة النفطية وتنهب الثروة البحرية وتنهب الأراضي العامة ولم تكتفي بها بل نهبت الأراضي الخاصة بالمواطنين ونهبت الحدائق والمرافق والجمعيات ولم تترك شيء في هذا البلد إلا استحوذت عليه.
>>.. فيما أعرف أن لك دراسات واهتمامات جادة في جانب الزراعة واليمن بلد زراعي.. ما الذي يمكن أن تمثله الزراعة لليمن؟
بإمكان الزراعة في اليمن أن تسهم بنسبة لا بأس بها في تحقيق التنمية وتوفير فرص العمل إذا وجدت سياسة زراعية ناجحة فعلى سبيل المثال نحن نستورد ثلاثة مليون طن من القمح والدقيق فلو وفرنا قرضاً مالياً لمئتي ألف رجل من العاطلين عن العمل ووفرنا لهم مئتي ألف هكتار من الأراضي فإنهم سينتجون الثلاثة المليون الطن التي نستوردها بالعملة الصعبة وستتوفر أربعمائة ألف فرصة عمل لعدد من العاطلين ولن تخسر الدولة شيئا لأن المستفيدين سيتمكنون من سداد القرض خلال أربعة أعوام ولعلك سوف تستغرب إذا عرفت إن المبلغ المطلوب لتنفيذ مثل هذا المشروع لا يزيد عن مليار دولار أما الشق الثاني فان توفير قروض لعدد مئة ألف من العاطلين عن العمل والراغبين في تربية الأغنام وكذلك مئة ألف من الراغبين في تربية النحل فانك ستوفر مئتي ألف فرصة عمل دون أن تخسر الدولة شيء غير أنها ستستفيد بعد سداد القروض من عائدات الزكاة والمبلغ المطلوب لذلك لا يزيد عن نصف مليار دولار وسيكون دخل الفرد في السنوات الأولى خمس مئة ألف ريال قابلاً للزيادة إلى أكثر من الضعف وهذا ما يخص مربي الأغنام والنحل أما المزارعين فتزيد عن المليون ريال..
>>.. ليس كل اليمن مناطق سهلية أو منبسطة، اليمن أيضا منطقة جبلية؟
هذه إيجابية كبيرة وعلينا استغلالها وليست سلبية، المناطق الجبلية ذات الكثافة السكانية والحيازات الزراعية المحدودة عند زراعتها بالأشجار المثمرة سيجعل عائداتها مجزية وسوف يتمكن أبناء هذه المناطق من الاستقرار في مناطقهم بدلاً من ارتفاع نسبة الهجرة إلى المدن أما الاستمرار على الوضع القائم فانك ستجد سكان هذه المناطق قد هجروها وأصبحت خالية من السكان.
>>.. ومن أين سيتم توفير المياه لهذه الأشجار؟
هناك أشجار تثمر على مياه الأمطار السنوية ولا تحتاج لري أو ري تكميلي ومنها الرمان والخرمش “القشطة” والبلس بنوعيه حتى بعض أشجار البن لا تحتاج إلى ري في المناطق الجبلية المرتفعة وكذلك أشجار الفرسك واهم ما في الأمر وجود العقلية الزراعية العلمية وسوف تتوفر مئات الآلاف من فرص العمل في هذا المجال.
>>.. كيف تنظر إلى التعليم في اليمن ومدى إمكانية مخرجاته على تلبية متطلبات المستقبل؟
التعليم في بلادنا يعاني من اختلالات خطيرة على مختلف المستويات تجعله لا يستطيع أن يأتي بمخرجات تعليمية قادرة على تلبية متطلبات المستقبل فإذا علمت أن نسبة الالتحاق بالتعليم الأساسي لاتزيد عن 63 % من الفئة العمرية ونسبة التسرب 20 % في حين أن نسبة الالتحاق بالتعليم الثانوي لا تتعدى 30 % ونسبة الالتحاق بالتعليم الجامعي 10 % حيث أن 77 % منهم يدرسون علوم انسانية و 23 % يدرسون علوم تطبيقية سوف تدرك عمق المشكلة اما اذا علمت ان نسبة الملتحقين بالتعليم الجامعي من ابناء المجتمع الريفي الذي يشكل نسبة 70 % من السكان لا تزيد عن 1 % من الفئة العمرية وهذه النسبة خاصة بالذكور لان خريجات الثانوية في الريف لا يستطعن الالتحاق بالجامعة وهنا ستدرك مدى عمق الفجوة بين مجتمع الريف ومجتمع المدينة أما إذا علمت بأن المنهج التعليمي الذي يتم تدريسه لا يتواءم مع متطلبات العصر وأن نسبة 70 % من الكادر العامل في حقل التعليم العام هم بمستوى خريجي الثانوية العامة وان بعضهم غير صالح للتدريس من الأساس لأن بإمكان الناس أن يتعلموا كلهم لكنهم لا يستطيعون أن يكونوا كلهم معلمين وإذا علمت أن عددا من المدارس لا يتوفر لها المبنى المدرسي وان بعض المدارس في الريف تدرس من الصف الأول إلى الصف السادس بمدرس واحد أو مدرسين اثنين فقط وكذلك نجد أن المعامل غير متوفرة في مدارس التعليم الأساسي ومدارس التعليم الثانوي وان وجدت في جزء محدود من المدارس فإنها لا تعمل وأن أسلوب التعليم يعتمد على التحفيظ والتلقين وان الدورات التدريبية التي تقام تتم بصورة عشوائية وتهدر فيها المبالغ المالية الكبيرة دون أن يكون لها أي فائدة تذكر فنجد أن الفساد يحول الدورة التدريبية من شهر الى عشرة ايام فقط ومن 15 يوماً الى خمسة ايام فقط حيث يتم تدريب غير المطلوب تدريبهم وان كماً كبيراً من المدارس الثانوية لا تتوفر فيها التخصصات العلمية بسبب سوء التوزيع والمتاجرة بالمدرسين والمناصب وان تعيين الادارة المدرسية لا يخضع لمعيار الكفاءة والنزاهة بل يخضع لمعيار الولاء او القرابة الأسرية أو المناطقية أو على قدرة طالب المنصب على تقديم الرشوة المطلوبة والتي تجعله لائقاً لاي منصب وان الاختيارات تعتمد على الغش فانك سوف تصاب بالذهول من هول الكارثة التي تعاني منها العملية التعليمية في اليمن ومدى الحاجة الى احداث ثورة لانتشال التعليم.
>>.. ماهي الأسباب التي جعلت التعليم يعاني من كل هذه الاختلالات؟
من أهم الأسباب غياب السياسة التعليمية التي تعتبر التعليم أساسا متينا لإحداث أي تطور، وهيمنة الفساد على جميع مفاصل العملية التعليمية، وغياب مجرد التفكير بالبحث العلمي. هذه الأمور جعلت التعليم يسير من سيئ إلى أسوأ، ففي الوقت الذي تنفق فيه الدول مبالغ كبيرة على البحث العلمي نجد بأن اليمن في هذا المجال لا تنفق حتى ريالا واحدا، وفي الوقت الذي أصبحت فيه الأمم تنظر إلى التعليم بأنه قارب النجاة تجدنا نحوله إلى ساحة للغش والفساد وتدمير القيم.
>>.. ألم يشكل عدم توفر الإمكانيات المادية واحداً من أسباب تدهور التعليم؟
ضعف الإمكانيات المادية لا يشكل عائقا أمام تطوير التعليم، بل غياب الإرادة السياسية هي العائق الكبير أمام إحداث أي تطور في أي مجال من مجالات الحياة، ومن أهمها التعليم؛ فكوريا الجنوبية لم تكن تملك إمكانيات مادية في ستينيات القرن الماضي، بل كان متوسط دخل الفرد في كوريا الجنوبية اقل من متوسط دخل الفرد في مصر وعندما توفرت الإرادة استطاعت كوريا الجنوبية أن تقفز إلى نادي الدول المتطورة، وهاهي معاهد البحث العلمي تنافس أرقى معاهد البحث العلمي في العالم ومثلها الصين والهند وسنغافورة. وماليزيا في سبعينيات القرن الماضي كان متوسط دخل الفرد فيها 400 دولار، وبفعل توفر الإرادة أصبح متوسط دخل الفرد في ماليزيا 22000 دولار؛ حيث كان وضع اليمن وماليزيا في سبعينيات القرن الماضي متشابهان في المجال الاقتصادي والتعليمي واليوم ماليزيا تحتل الرقم 17 في الاقتصاد العالمي وجامعاتها تستقبل أكثر من سبعين ألف طالب وطالبة من الدول الأخرى.
>>.. ما هو الحل بالنسبة للتعليم؟
الحل مرهون بإنشاء استراتيجية تعليمية شاملة للتعليم الأساسي والثانوي والتعليم الفني والتقني والتعليم الجامعي وتشمل المنهج حجماً وتطويراً ومواكبة لتطور المناهج العالمية والكادر تأهيلاً وتوزيعاً، والإدارة المدرسية كفاءة ومهارة، والوسائل المدرسية بمختلف أنواعها، والمبنى المدرسي والجامعي، ومن حيث أسلوب التعليم والاختبار، وكذا التوزيع للمقاعد الدراسية في الجامعات والمعاهد وكليات المجتمع، فمن حيث المنهج فإننا نحتاج إلى منهج يواكب تطورات العصر وخالياً من الحشو الذي يزيد من حجم المادة ولا يشكل أي فائدة للطالب، ومن حيث المدرسين يجب تأهيلهم من خلال عقد دورات تأهيلية لا تقل مدتها عن أربعة أشهر، كما يتم إعادة توزيع الكادر التعليمي وفقاً للحاجة وبالذات التخصصات العلمية في مرحلة التعليم الثانوي، وبالتالي تأهيل الإدارة المدرسية وتطوير أدائها وتجفيف منابع الفساد في مختلف مرافق التعليم وتحديد دور المجتمع في المشاركة في رفع مستوى التعليم ورفع مستوى الالتحاق بالتعليم الأساسي والثانوي والجامعي وإعادة النظر في التخصصات الجامعية حتى تكون مخرجات التعليم الجامعي والتقني ملبية لمتطلبات السوق المحلية والخليجية، وبالتالي تضييق الفجوة بين نسبة الالتحاق بالتعليم الجامعي والتقني بين مجتمع الريف والمدينة وبين الذكور والإناث من خلال توزيع المقاعد الجامعية والمهنية على المديريات وفقاً للتعداد السكاني وإعطاء المرأة حصتها الكاملة في الريف والمدينة وتشجيعها على مواصلة التعليم من خلال منحها نسبة كافية من الدرجات الوظيفية وتوفير مقاعد دراسية خاصة بها في الجامعات والمعاهد ومنحهن قروضاً مالية لإقامة مشاريع مدرة للربح بدون فوائد وغير ذلك من وسائل التشجيع التي تدفع بالفتاة إلى مواصلة تعليمها وإسهامها في مختلف نواحي الحياة، ولابد للإستراتيجية أن تشتمل على توفير المبنى المدرسي والجامعي والمعاهد التقنية وكليات المجتمع وإعطاء البحث العلمي القدر الكافي من الاهتمام وبالتالي إعادة النظر في أسلوب التلقين والتحفيظ المتبعة في التعليم في مختلف مراحله وإتباع أسلوب تعليم الطالب كيف يفكر وكيف يبدع وكيف يتعامل مع تعقيدات علوم العصر وكيفية العمل على تنمية المهارات والقدرات وتنمية الذاكرة واستغلال مواردها بصورة مستمرة حتى يكون قادراً على التعامل مع متغيرات العصر المذهلة والسريعة.
>>.. ألا ترى أن الإمكانيات المطلوبة لإحداث مثل هذه النقلة النوعية للتعليم تفوق القدرة الاقتصادية لليمن؟
لاشك من أن الإمكانيات المطلوبة لتعليم متطور وناجح كبيرة لكن إذا ما قست الفائدة التي ستعود على البلد من ذلك ستجد أن المبلغ المنفق على التعليم زهيداً فالعالم الكبير فاروق الباز يقول زرنا ماليزيا في السبعينيات ووضعونا في فندق كانت الأتربة تنهال على رؤوسنا وسألنا مهاتير محمد ماذا نعمل؟ فقلنا له: التعليم. فقال لنا: نعدكم بأننا سننفق موازنتنا في السبع السنوات القادمة على التعليم. وها أنتم تشاهدوا ماليزيا اليوم؛ أما مهاتير محمد فيقول بلغت المنح الدراسية في الخارج 60 ألف طالب وبدأت أستغل مخرجات التعليم بعد خمس سنوات. أما العالم أحمد زويل فيقول: زرت ايرلندا والتقيت رئيسة الوزراء ربنسون فقلت لها: كيف حققتم هذه القفزة السريعة؟ فقالت له: إنه التعليم. إنه التعليم. إنه التعليم ثلاثاً.. فالتعليم هو الرافعة الأساسية لأي أمة، وهو الثروة الحقيقية، فالاهتمام بالمتميزين والاستثمار في الموهوبين يشكل الطريق السريع للنجاح.
هل تعتقد أن نظام ما بعد الثورة قادر على توفير الإمكانيات المطلوبة للنهوض بالتعليم في اليمن؟
أنا على ثقة كبيرة من أن وجود نظام رشيد وإدارة ماهرة قادر على النهوض بالتعليم وقادر على توفير المتطلبات اللازمة لذلك؛ فالثورة الشبابية السلمية قد وفرت البيئة المناسبة لإحداث ثورة هادرة في مجال التعليم. والثورة في مجال التعليم تشكل الأساس لأي ثورة.
ــ انعقد مؤتمر المانحين مؤخرا في المملكة العربية السعودية وخرج بحصيلة ستة مليارات و400 مليون دولار.. كيف تقرأ المؤتمر أولا توقيتا ومكانا ومخرجات؟ وإلى أي حد ستسهم هذه التبرعات في ردم الفجوة الاقتصادية التي نعاني منها؟ من جهة ثانية برأيك لما ذا غابت بقية دول مجلس التعاون الخليجي عن الدعم وخاصة قطر؟ وهل هذا الدعم مشروط بشروط سياسية أخرى؟
كان انعقاد مؤتمر المانحين من حيث الوقت مناسباً لأن حاجة اليمن للمساعدات المالية من الأشقاء والأصدقاء تشكل ضرورة ملحة فوضع البلد لا يحتمل التأجيل فاليمن يمر بوضع اقتصادي بالغ الخطورة وكان اختيار مكان انعقاد المؤتمر موفقاً إلى حد ما وذلك لما تمثله المملكة العربية السعودية من ثقل اقتصادي على المستوى الإقليمي والدولي وبالنسبة للتعهدات المالية التي خرج بها المؤتمر فإنها قد تساعد على معالجة بعض الصعوبات التي تواجه اليمن إذا ما تم الوفاء بها من قبل المانحين بصورة عاجلة وسلمت السطو عليها من قبل لوبي الفساد أما المعالجة الشاملة لوضع اليمن على المدى القريب والمتوسط والبعيد فانه يتطلب مبالغ مالية كبيرة كان يجب على المانحين أن ينظروا إليها بجدية وان تتناسب تعهداتهم المالية مع حجم المشكلات الكبيرة التي تواجه اليمن فإذا ما قارنت حجم التحديات الأمنية والاقتصادية الهائلة مع المبالغ المالية التي تم التعهد بها من قبل المانحين فانك ستدرك بأن الفجوة كبيرة بين ما تم الحصول عليه وبين حاجة اليمن فالتعهدات لا تكفي لمعالجة جزئية واحدة من عدد من الجزئيات التي تحتاج إلى معالجة إلا أن توفر المبلغ المتعهد به أفضل من عدم وجوده أما بالنسبة لغياب بعض من دول الخليج فلا يوجد لدي توصيف للأسباب والعوامل التي أدت إلى عدم حضورهم والتفسيرات والتكهنات كثيرة ولكني أثق من أن غيابهم لا يشكل تخلياً عن دعم ومساندة اليمن في ظروفه الراهنة أما ما يتعلق بالشروط فأي مساعدات مالية لابد أن ترافقها عدد من الشروط وقد تكون أحياناً شروط ايجابية إذا ما تضمنت التزام الشفافية وتجفيف منابع الفساد وضمان صرفها في التنمية وتقليص ظاهرة الفقر وقد تكون سلبية حينما تصبح تدخلاً في الشؤون الداخلية وتؤثر على استقلالية القرار وتحد من السيادة ومع ذلك فإننا على ثقة بان هناك حرص مشترك على استقلال وسيادة واستقرار اليمن.
>>.. لو تحدثنا عن أهم ثلاث أولويات قادمة أمام حكومة الوفاق الوطني؟
المشكلة الأمنية والمشكلة الاقتصادية والقضية الجنوبية. يجب أن تكون من أهم أولويات الرئيس والحكومة ولعل معالجة هذه القضايا يتطلب معالجة قضايا ومشاكل متعلقة بها فمثلاً تثبيت الأمن والاستقرار يتطلب إعادة هيكلة وتوحيد الجيش والأجهزة الأمنية ومعالجة القضية الاقتصادية يتطلب مواجهة قوية للفساد ومعالجة القضية الجنوبية بحاجة إلى قرارات شجاعة واعتراف صريح بما تعرض له الجنوبيون من ظلم وتهميش وإعادة تلك المظالم وتعويض المظلومين ومن تم تهميشهم وإشراك الأخوة الجنوبيين في جميع مفاصل الدولة والقضايا الثلاث تشكل في الواقع منظومة لا يمكن أن تعالج واحدة منهن إلا بمعالجة الأخرى حيث أن معالجة الجانب الاقتصادي لن يتم إلا بتوفر الأمن في حين أن توفر الأمن والجانب الأمني يحتاج إلى توفر المال أما معالجة القضية الجنوبية فتحتاج إلى المال والأمن معاً ومعالجة هذه المنظومة بحاجة إلى إرادة سياسية فولاذية تدك في طريقها كل العراقيل والصعاب التي تقف أمام زحفها كما تحتاج إلى مشاركة جادة من مختلف القوى السياسية الفاعلة في الساحة مع مشاركة منظمات المجتمع المدني فالقيادة السياسية والحكومة والقوى السياسية مطالبين اليوم أكثر من أي وقت مضى بتحمل مسئوليتهم وتغليب مصلحة الوطن بدلاً من المصالح الفردية والأنانية التي مثلت سبباً في إغراق الوطن في أتون الصراعات العسكرية والسياسية المدمرة ولعل معالجة القضايا المشار إليها سيشكل منطلقاً قوياً نحو فضاءات واسعة وآفاق مشرقة تنير لنا الدروب للسير إلى رحاب اليمن المنشود.
>>.. ما هو تقييمك لانجازات حكومة الوفاق ؟
دعني أعرب لك عن بالغ حزني للإخفاق الكبير الذي وصلت إليه حكومة الوفاق وأنا أحمل مسئولية هذا الإخفاق وهذا الفشل إلى وزراء الثورة الذين جاءوا إلى الحكومة من ساحات التغيير وميادين الحرية ولا أحمل وزراء النظام السابق أي مسئولية لأن بعضهم جاء إلى الحكومة وهو يحمل مشروع إفشال حكومة الوفاق وإفشال العملية السياسية برمتها فجماهير الشعب اليمني ضلت وما زالت تترقب انجازات وزراء الثورة الذين وصلوا إلى تلك الكراسي وهم يحملوا مشروع الثورة الذي يتطلع إلى تحقيقه السواد الأعظم من أبناء هذا الشعب فلم يحركوا للفساد شعره وحتى بعض التغييرات التي قاموا بها خضعت للوساطة والانتماء الحزبي أو المناطقي وكنا نتمنى أنهم اوجدوا معياراً علمياً لشغل الوظيفة لا يخضع للوساطة أو القرابة أو الانتماء الحزبي أو المناطقي ويكون من أهم شروط شغل الوظيفة الكفاءة والمهارة والنزاهة والمؤهل العلمي فلو إنهم رسخوا هذه المبادئ في وزاراتهم لنالوا احترام كل أبناء الشعب اليمني وفرضوا على زملائهم في الحكومة أن يتبعوا نفس المنهج لكنهم وصلوا إلى قيادة الوزارات وهم في حالة من التبلد والذهول غير مستحضرين المهام الثورية التي أنيطت بهم وذلك ما جعلهم مثار سخرية واستهزاء موظفيهم وزاد الفاسدين تمادياً في الفساد واستهتاراً بالقوانين والأنظمة .
إن على وزراء الثورة أن يدركوا إن الثورة لم تأت من أجل تغيير وزير بوزير ولا مدير بآخر؛ بل جاءت من أجل إحداث تحول تاريخي شامل يقطع الصلة بالماضي ويؤسس لمستقبل اليمن الجديد فإن لم يكونوا على مستوى المهمة الموكلة إليهم فلا جدوى من وجودهم في الحكومة وعليهم سرعة مغادرة الحكومة وبالتالي تقديم الاعتذار للثوار كونهم عجزوا عن ترجمة أهداف الثورة على ارض الواقع فلم نر شيئا يميزهم عن غيرهم وكأنك يا بو زيد ما غزيت.