علي عبدالله صالح.. الظهور الخاطئ في الوقت الخاطئ

حشد أتباع الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح لظهوره الإعلامي على شاشة «الميادين» الفضائية واحتشدوا، وروجوا كثيراً للمقابلة. وكان حدثاً مثيراً يستحق المتابعة فعلاً. فشخصية صالح شخصية مؤثرة في الأحداث الحالية في اليمن، ولابد أن ظهوره الإعلامي المفاجئ سيحمل إضافة أو جديداً يتعين متابعته خصوصاً للمهتمين بمجريات حرب اليمن.
لو كنت من أنصار الرئيس السابق – ولست منهم طبعاً – لأحبطت من هذه المقابلة التي لم تقدم جديداً ولم تحمل أي تأثير، وكانت مليئة بالتناقضات والأكثر من ذلك كانت مثبطة للروح المعنوية التي عمل أتباعه على رفعها عبر أجهزتهم الإعلامية. كان إحباط أتباع صالح واضحاً بانحسار تعليقاتهم الاحتفائية بخطاب من يسمونه «الزعيم»، وبقلة تداول تسجيل الفيديو للمقابلة التلفزيونية، وبندرة ترويج الأجهزة الإعلامية لمقاطع من اللقاء يمكن تداولها وتكرارها، لتشكل مادة دعائية تبرز حكمة «الزعيم»، أو تطرح مبادرات سياسية تغير في مسار الأحداث، أو تقدم صورة قوية لوضع صالح في هذه الحرب.
لو كنت من أنصار صالح، وأنا أتابع بعض أدواتهم الإعلامية، لصدمت من حجم التناقضات التي يحملها خطاب صالح من جهة، وتناقضها مع الاتجاه الإعلامي المدروس لمناصريه. فصالح يقول إنه «لا علاقة له البتة بسير الحرب، وإنه مجرد مواطن يتابع الأحداث، وإن من يدير الأمور السياسية والعسكرية في اليمن هم أنصار الله الحوثيين، وإن التكتيك العسكري يقوده عناصر أنصار الله و»اللجان الشعبية» وما تبقى من جيش»، ويتابع صالح «لم يبق جيش أصلاً بعد عملية إعادة الهيكلة»!!
الخطاب الإعلامي لأنصاره يقول إن «المتحكم بالعملية العسكرية هو علي عبدالله صالح وابنه أحمد استناداً إلى علاقاتهما القديمة بالجيش اليمني، وإن المواجهات مع دول التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن ينهض بها بالدرجة الأولى الجيش اليمني الذي ما زال متماسكاً وصامداً ولا يمثل الحوثيون ومن معهم سوى دعم محدود غير مؤثر، وإن عمليات التراجع في بعض المناطق ليست إلا تكتيكاً عسكرياً للالتفاف مرة أخرى على قوى التحالف أو بالتنسيق مع بعض الدول لعقد صفقات سياسية مع صالح مستقبلاً»!
يزعم الخطاب الإعلامي لتيار صالح أن «تقدماً كبيراً أحرزه «أنصار الله» في التوغل في جيزان وعسير جنوب السعودية، وأنهم يسعون لاستعادة الأراضي التي «استولت» عليها السعودية وتشكيل ما يسمونه «اليمن الكبرى»». ويقول صالح إن «توغل «أنصار الله» في المناطق السعودية محدود بعدة كيلومترات فقط، وإن اتفاقية الحدود الأخيرة الموقعة في جدة بين اليمن والسعودية نهائية ولا يمكن إعادة النظر فيها».
لا يتسع المقام لسرد كل تناقضات صالح مع تاريخه ومع خطاب أنصاره الإعلامي، ولكن أختم برأيه في خصمه الذي كان حليفه لسنوات طويلة وسنده في حروب كثيرة، «حزب الإصلاح» الإخواني، فصالح يرى أن «»الإخوان» أصل «الدواعش» وكل الجماعات الإرهابية، وأنهم جماعة عميلة ممولة من الخارج وتحديداً مدعومون أمريكياً، وأنه كان يعلم أنهم يعملون في اليمن بتوجيهات خارجية، وبإمدادات مالية من مصادر خارجية أهمها أمريكا، وأنه أول من حاربهم واختلف معهم، غير أنه تحالف معهم فقط لضرب خصومه من الجبهة الوطنية في نهاية السبعينات، وكانوا هم أيضاً يتلقون دعماً مالياً لمحاربة الجبهة الوطنية نفسها».
التناقضات «الساذجة» التي ارتجلها صالح لا تنم عن دبلوماسية أو برغماتية سياسية، بل تدل على افتقاد أي موقف مبدئي من أي قضية، وأن لديه لكل موضوع صيغتين ونهايتين مختلفتين، وأن خطوط الرجعة كثيرة وسهلة، لذلك لو كنت من «أنصار الله» – حلفاء صالح في الحرب – لأرعبتني هذه المقابلة التي لا يُعلم سبب إجرائها في هذا التوقيت، ولا المقصود من شفرة التناقضات التي قد يقصدها الرجل، الذي يقال إن لديه مكراً ودهاء نادرين.
ولكن، كان أمراً إيجابياً أن يظهر الرئيس السابق – الذي جمد التنمية في بلاده ثم جرها إلى الخراب – بهذه الصورة المهزوزة. كان إيجابياً أن تشعر أن بعضاً ممن كانوا يهتفون باسمه قد هدؤوا وأعادوا النظر وعبر بعضهم أن صالح صار ماضياً خاوياً عليهم تجاوزه. فأحد أسباب سقوط دولنا العربية الواحدة تلو الأخرى هو تحويل بعض الزعماء والرموز إلى أصنام تعبد من دون الوطن، ومن دون مصلحة الوطن، وتنصب في الميادين دون أن تقدم شيئاً لشعوبها، سوى بقائها واقفة وشاخصة أمام أبصارنا.