لُعبة الإرهاب ..عندما يقاتل “داعش” في معركة صالح

 

كان جمال البدوي مدانا بتفجير المدمرة الامريكية كول وحكم عليه بالسجن 15 عاما، ولطالما اعتبرته امريكا عنصرا خطرا وأحد اهم المطلوبين لديها.
لكن حكومة صالح، أخرجته من السجن واعادته الى منزله، و”اكتشف” الامريكيون الامر لاحقا فعبروا عن إنزعاجهم !
شخصيا اسميه الانزعاج المريب، فالرجل المدان والمطلوب امريكيا يتم إخلاؤه بتلك السهولة، فواشنطن التي اطلقت حملة عالمية واجتاحت دولا بذريعة مكافحة الارهاب، لا تجد موقفا، في هذه الحالة أفضل من التعبير عن الانزعاج !
“فر ” جمال البدوي مرتين من سجن الامن السياسي في عدن وصنعاء : عام 2003 وعام 2006 على التوالي.
كانت واقعة الهروب الأخيرة في صنعاء مفبركة الى درجة مضحكة، فقد تحدثت الرواية الرسمية عن عملية “فرار” جماعي لـ 22 من ابرز عناصر القاعدة ،بواسطة نفق حفروه بملاعق الطعام!
تلك الرواية ربما لقت قبولا من امريكا، فهي تنتمي الى مدرسة “أصيلة” هناك، فخيال هوليود قادر على تحويل الابرة الى سلاح فتاك بامكانه في لحظة ” كفاح إنساني” فتح طريق الحرية لسجين مظلوم داخل اسوار وخرسانات واسلاك شائكة!
في المرة الثالثة، عام 2007 م ، لم “يفر” البدوي بل اطلقه نظام صالح، فسيناريو الهروب سيغدو سمجا وبدائيا، لذلك بررت وزارة الداخلية اخراجه من السجن وهو والمدان بحكم قضائي، بعد ” أن تبرأ من الارهاب وانضوى تحت راية السلطة ” !
عبدالعزيز بن عتش كان مدانا في واقعة كول ايضا، وكان في السجن، لكنه قتل في الصومال !
كيف يلقى رجل مصرعه في أرض دولة أخرى بينما هو في الكشوفات مسجون في بلده ، هذا هو العمل السينمائي الذي أخرجه صالح قبل سنوات، واجازته الإدارة الامريكية!
كان صالح يعمل مع تلك التنظيمات جنبا الى جنب، ويرسل اعضاءها للقتال في الخارج.
هناك وقائع كثيرة من سجل سلطته يؤكد ارتباط شبكة الارهاب بالرجل الذي منحها التسهيلات والرتب العسكرية والمرتبات، وأستغلها لجلب المنح والمساعدات.
ذكرت عائلة فواز الربيعي، العنصر البارز، الذي كان يعمل في مكتب الرئاسة ، كيف ان إبنها وقع ضحية سياسة رسمية ، جعلت مسؤول في جهاز استخبارات صالح يرسل الشاب الغر للقتال في افغانستان.
كان الشاب ضمن المجموعة التي فرت من سجن الامن السياسي في 2006، ولاحقا قتلته طائرة بدون طيار !
ثمة ” اذرع” ارتبطت امنيا بصالح واجهزته الاستخباراتية، دبرت قبل سنوات اعمال تنكيل بشماليين وألصقتها بالحراك الجنوبي، للنيل منه ، وزرع بذور الكراهية والعداء بين الضحايا!
كثير من الوقائع كانت تشير الى عمل ممنهج اشرف عليه صالح وقام به ضعاف نفوس جنوبيين، أو أشخاص يعملون بصورة حصرية لمصلحة عفاش ومنظومته المدمرة.
عام 2009 القت ادارة امن الحبيلين القبض على شخص يدعى سامي ديان، وبحوزته اسلحة وقنابل، وكان مطلوبا للاجهزة
الامنية بتهم منها التعرض لمواطنين شماليين.
هذا الشخص التقاه صالح في دار الرئاسة في 2008 ولديه اخ شقيق، يعملان ضمن جماعة ” جهادية ” في أبين، ومنحا رتبا عسكرية ومرتبات وفقا لمعلومات نشرتها صحيفة النداء حينها.
على الفور أبلغت قيادة امن الحبيلين وزارة الداخلية بواقعة القبض على ديان، لكن الادارة تلقت امرا محيرا: افرجوا عنه!
تمهل مدير الامن ووضعه قيد الحجز ليوم كامل، لكن أمر الافراج عن المطلوب امنيا جاء رفقة قرار عزل من يفترض حصوله على مكافاة!
لكن هذه الشبكة التي تدير البلاد بمنظومة مافيا ،كانت تعمل بطريقة مقلوبة، انسجاما مع طبيعتها.
بنظر صالح، ارتكب المسوؤل الامني ” خطيئة ” كبرى وعليه ان يعاقب بالعزل، وكان المتهم، لا يفعل شيئا مضرا، فهو يؤدي عمله وجرى مكافأته بالافراج!
هذا الشخص الذي “حرره” صالح كان وقتها ما يزال مطلوبا لأداء ادورا ومهام، مختلفة، ولاحقا سيكون ” ذراعا” مهمة ضمن شبكة متعددة
المهام في عدن والجنوب عموما، وفي الشمال يحركها وقت الحاجة.
عندما انتفض اليمنيون في وجه صالح في فبراير 2011 وارادوا ركله الى المزبلة، أخذ يهدد بالمخاطر التي زرعها بيده منذ حرب 94.
كان يبتز العالم بالقاعدة ” التي ستستلم المحافظات الجنوبية” اذا سقط نظامه. بالتزامن انطلقت الجماعات المسلحة في بعض مناطق أبين، ولم يدم الامر طويلا، ففي مطلع ابريل جاءت الاوامر حاسمة من صنعاء: سلموا المعسكرات والمواقع في زنجبار وخنفر .
وقتها كنت اعد تقريرا لصحيفتي الموقوفة، الشاهد، عن واقعة مجزرة سقط فيها العشرات من المواطنين في مصنع الذخيرة7اكتوبر بابين.
نشرتُ ما حصلت عليه من أكثر من مصدر محلي، وساعدني زميل صحفي من هناك، وتبين ان المعسكر الموجود في نفس المكان
والمصنع جرى تسليمه باوامر من وزارة الدفاع بصنعاء لنفس الشخص ” سامي ديان ” الذي يقود جماعة مسحلة تزعم انتماءها للقاعدة !
حتى الأطراف الدولية و” الارهاب ” هو شغلها الشاغل والملف ذي الاولوية القصوى في اليمن، كانت تقف صامتة، وترى الرجل
الذي دربت له جيشا ومدته باسلحة نوعية يسلم بعضها للقاعدة ، الخصم الذي وجدت هذه القوات لمحاربته !
لقد تلاحقت الاحداث بينما كان صالح يلغم طريق البلاد بالفوضى والوعيد.
كانت تهديداته تتحقق بصورة اسرع من ايقاع لعبة “الانتقال السلمي” ، وعندما كان الرئيس هادي يؤدي اليمين الدستورية،
في مجلس النواب كرئيس توافقي، كانت ” القاعدة ” تتبنى هجوما انتحاريا، على القصر الجمهوري في المكلا.
في نفس الوقت كانت وسائل اعلام صالح تسرب اخبار عن محاولة مجموعة مسلحة ” اقتحام ” قصر المعاشيق الرئاسي بعدن.
القصر الحصين الذي هددته ” قاعدة صالح ” وقتها، هو نفسه الذي قاتلت ميليشيات صالح هناك بعد اكثر من 3 سنوات باستماتة، في مواجهة رئيس سلطة شرعية جنبا الى جنب مع ميليشيات طائفية موالية لإيران.
المؤكد ان صالح لم يكن يحارب الارهاب، بل كان يؤدي مهمة ” متفق ” عليها لتسمينه.
على ذمة هذه الذريعة كان يراكم مكاسبه الخاصة كحاكم منهمك في مخطط توريث ابنه، فبنى اجهزة عسكرية دربتها خبرات امريكية للحرب على الارهاب وضع على رأسها ابنائه وانجال اشقائه.
كان الرجل يربح على أكثر من صعيد، فيحصل من امريكا على مساعدات بمليارات الدولارات طوال سنوات منذ احداث 11 سبتمبر، وبالتوازي كان يضع عائلته في الواجهة للتشبيك اكثر مع الامريكان وبناء علاقات تجعلهم خيارها الأهم في البلد.
لقد احتفظت العائلة بشبكتها الرئيسية وأذرعها الاستخباراتية، وولاءاتها داخل الجيش ، وظلت على صلة وثيقة بالتنظيمات والشخصيات الارهابية،فكانت تسلم المعسكرات بسهولة.
وعندما دبرت الانقلاب وسيطرت على العاصمة، أظهر جيش صالح، قسوة ووحشية فذهب الى معركة ” الزعيم” و” السيد ” مدججا بالحقد والكراهية فشن حربا على اليمنيين رفقة ميليشيات إرهاب طائفي.
كانت لحظة اندماج مكثفة أظهرت كم ان اليمنيين مغلوبون على امرهم، يعيشون على الوهم ، متصالحون مع مفاسد واجهزة لم تكن تنتنمي اليهم يوما، وعندما دانت الحقيقة كانت عصابة كاملة ، بوجه طائفي وقح !
وجاء عصف ” داعش”، الخطاب الطارئ ،الذي جلبته، الميليشيات، من ساحة اخرى، لتقدم ورقة ” اعتماد ” لدى امريكا، كوكيل محلي للحرب على الارهاب!
نهاية يناير الماضي كشفت صحيفة المونيتور الامريكية، على لسان مايكل فيكرز، المسؤول الكبير في المخابرات الأمريكية، أن الولايات المتحدة الأمريكية على علاقة مع جماعة الحوثي، “وذلك في إطار جهود واشنطن لمحاربة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية”!

لقد انجزت السياسات الطائفية لإيران، 4 بؤر حرب واقتتال أهلي ، بدءا من العراق، بالتعاون مع الاحتلال الامريكي، ثم سوريا حيث الميليشيات الطائفية والمرتزقة تقتل وتدمر، ولاحقا جلبت روسيا، وأخيرا الحقت اليمن، بخارطة الفوضى والاحتراب ،بحيث تكتمل خرائط ” حدود الدم ” الموعودة.

مثلما كان الانقلاب، بتسهيلات اممية ودولية، الخطوة الاولى باتجاه دفع اليمن الى هاوية الاقتتال كانت الميليشيات وحليفها تؤسس لنسخة عراقية في اليمن كاملة الملامح، رغم فارق التركيبة الديمغرافية، فشنت على اليمنيين حربا باعتبارهم ” دواعش “، الكائن الهلامي، الذي بعثرته في كل ساحة مواجهة.
بلغت المهزلة حدا مبتذلا، عندما كانت وزيرة الثقافة، اليسارية اروى عبده عثمان، هدفا لهجوم حوثي، باعتبارها ” داعشية” فقط، لانها تناهض الانقلاب.
تكشف الواقعة حجم الحاح ” الحوثي صالح” على استدعاء داعش ولو اقتضى الامر صناعتها !
لم تكن المسألة مرتجلة، بل كانت منسقة وممنهجة، فهي تذكرة العبور الى ” الحلف الامريكي” ومتطلب مهم، ضمن سياسة التطييف الايرانية.
خلال اليومين الماضيين، انتعشت سوق” داعش” بصورة قياسية في اليمن.
نشر “التنظيم” الطارئ، مقاطع فيديو متقنة الإخراج ، تظهر وقائع قتل وحشية ذبحا من قال انهم أسرى حوثيون في عدن، البسوهم البدلات البرتقالية.
كانت محاكاة مستوحاة شكلا ومضمونا من الاداء السينمائي للتنظيم في العراق وسوريا، تريد اقناع المشاهد بحقيقة التنظيم كواقع، أكثر من العملية نفسها.
ظهر ان الوقائع قديمة، فآخر تواجد للحوثيين في عدن كان قبل نحو خمسة أشهر من الآن، كما ان الحوثيين لم يعلنوا عن وقوع أسرى في قبضة ” داعش” !
لم يعرف عن “التنظيم” الخرافي ، انه ناصب قوات صالح والميليشيات العداء، او انه نفذ عملية بسيارة مفخخة عندما كانت تعيث فسادا في عدن والمحافظات الاخرى.
كي لا نغرق في التشكيك بوجود هذا التنظيم، فسنسلم بأنه كيان واعضاء وقوة لكن ايقاع العلاقة بين الجانبين ” صالح الحوثي” و ” داعش” تبدو مريبة للغاية.
طيلة فترة الحرب كان هناك ما يشبه تبادل الخدمات بين الطرفين.
فقد تبنى التنظيم تفجير مساجد في صنعاء منتصف مارس الماضي، وفي اليوم التالي كان صالح يحتفل بعيد ميلاده، وعبدالملك الحوثي يعلن الحرب ” والتعبئة العامة ” على ذمة الهجوم !
كانت الواقعة ذريعة لبدء حرب قذرة، خرج معها صالح كقائد انقلاب حقيقي متوعدا هادي والسلطة الشرعية بالملاحقة.
كان لافتا ان الامريكيين شككوا بضلوع ” داعش” في عملية تفجيرالجامع في صنعاء، لكنهم التزموا الصمت لاحقا.
بعد اشهر من القتال، ودخول التحالف العربي على الخط، خسر الحوثي صالح مناطق واسعة في الجنوب، ولم يستطع منع الحكومة والسلطة الشرعية من العودة الى عدن.
لقد مني الحلف بهزيمة ساحقة هناك كمقدمة لخسارة اوهامهم مرة واحدة وصولا الى صنعاء.
لكن ” داعش” النسخة اليمنية قدم خدمة لخصمه المفترض كان في أشد الحاجة اليها، فتبنى هجوما على مقر الحكومة المؤقت في فندق القصر بعدن، بينما كانت قناة المسيرة تسبق التنظيم بالاحتفاء بالعملية وتنسبها لميليشياتها !
لقد فعل” داعش ” ما هو اكثر من ذلك، فقد ” ثأر ” لصالح والحوثي من قائد عملية تحرير عدن اللواء جعفر محمد سعد، واغتاله بسيارة مفخخة باعتباره ” طاغوت ” !
هذه هي حرب داعش إذا ؟
كان التنظيم يقدم إجابة على توقيت نشر مقاطع ” الذبح ” في جزء من العملية، فهو يؤشر الى تدشين موسم ارهاب مسرحه المناطق المحررة من الميليشيات، لكن الاهم هو التشكيك بقدرة الحكومة على ضبط الاوضاع في المناطق المحررة، والتأثير على مجريات النقاش بشأن تنفيذ القرار الاممي .
لقد استهل ناطق الحوثيين بحصد أولى الجوائز التي أهدتها ” داعش ” لحلف التمرد، فأكد على رفض الميليشيات تسليم السلاح الذي استولت عليه للحكومة كما ينص القرار. ” لانها حكومة ضعيفة لا تستطيع تأمين نفسها”.
لقد ظل ظهور ” داعش ” في هذه الوقائع يمنح الحوثي صالح، مكسبا دعائيا لترويج مزاعمه عن حرب يخوضها ضد الارهاب، وعن اهمية وجوده كرأس حربة في اللعبة المحلية، وضرورة وقف حملة التحالف العربي، الهادفة لانهاء التمرد والتهديد الايراني للامن الاقليمي.
مع ذلك فحلف صالح الحوثي، عدو سافر ومتربص ، يشن حربا، ولن يوفر وسيلة مهما كانت دنيئة وقذرة لضرب خصومه والاضرار بالبلد.
يكمن الجانب المهم من المشكلة في الطرف الآخر، رئيس وحكومة متبطلون، ليسوا بحجم التحدي، يغرقون في مساجلات لا تخص الناس وحياتهم.
حتى الآن لم يتحرك هادي وحكومته بالصورة المطلوبة على صعيد التسريع ببناء اجهزة امنية واستخبارات، والتركيز على تفكيك شبكة الاغتيالات والجماعات الارهابية و”أذرع” صالح المتغلغلين في الاجهزة الامنية والمدنية .
سيقول صالح في سره وهو يتلقف بيانات داعش: ياله من خصم ” جيد” يقاتل بالنيابة عنا ويضعنا في المقدمة ..
لكنه سيضحك ويتبهج أكثر عندما يرى هادي على هذه الصورة المسترخية والمتخبطة، ليشكر نفسه بانه اختار الرجل المناسب!